بسم الله الرحمن الرحيم
صحيح سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني المجلد الرابع ص330ح1750 ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ).
وهذا أصل الحديث كما ذكره الألباني : " عن أبي الطفيل عن زيد بن ارقم قال : لما رجع رسول الله من حجة الوداع ، ونزل غدير خُـم ، أمر بدوحاتٍ فقُمِمْن ، ثم قال : كأني قد دُعيت فأجبت ، وأني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فانـهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض . ثم قال : إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن . ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال : من كنت وليه ، فهذا وليه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ".
وقد نقله ابن كثير بطوله في البداية والنهاية واقتصر على ذكر تصحيح الإمام الذهبي له ، قال في البداية والنهاية ج5ص209 : " قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : وهذا حديث صحيح " ، والحق إن هذا الحديث ( من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ) لا أحد من المسلمين ينكر صدوره من النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
أما دلالة الحديث الشريف فإنـها تدل على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما أنه أولى بالمؤمنين من نفسهم وهو سيدهم وولي أمرهم المتصرف في شؤونـهم ، فنفس هذه الأمور تثبت للإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام إذ هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وسيدهم وولي أمرهم المتصرف في شؤونـهم .
وقد يقال إن كلمة ( مولى ) كما تفيد معنى السيد المتصرف في شؤون عبده تفيد أيضا معنى المحب والناصر ، فيكون معنى الحديث ( من كنت ناصره فإن عليا ناصره ) ، فلا معنى لتخصيص اللفظ بالمعنى الأول ؟
والجواب إن هذا يحتمله من قصر نظره على هذه الجملة ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) فقط دون النظر إلى ما احتف بـها من القرائن ، فضلا عن النظر في بقية الروايات الصحيحة المفسرة لمعناها ، فالرواية السابقة فيها قرينة واضحة على أن الولاية هنا تعني أن الإمام علي عليه السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهي تقديمه صلى الله عليه وآله وسلم قوله ( إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ) على ( من كنت وليه ، فهذا وليه ) الذي يبين أن المعنى المقصود هو من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه .
والأمر أكثر وضوحا في رواية أخرى صحيحة السند يتبين منها أن جملة ( فعلي مولاه ) تعني أن عليا عليه السلام ولي أمره وأولى به من نفسه ، وهذا في صحيح سنن ابن ماجة للألباني ج1ص56ح94 :
" عن البراء بن عازب ، قال : أقبلنا مع رسول الله في حجة الوداع التي حج ، فنـزل في الطريق ، فأمَر : الصلاةَ جامعةً ، فأخذ بيد علي –عليه السلام- ، فقال : ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم ؟ ، قالوا : بلى ! ، قال : ألست بأولى بكل مؤمن من نفسه ؟ ، قالوا : بلى ! ، قال : فهذا ولي من أنا مولاه . اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". وعلق عليه الألباني بقوله : ( صحيح ) وأحال إلى سلسلة الأحاديث الصحيحة ح1750.
وذكرها ابن كثير في البداية والنهاية ج5ص212 بـهذا اللفظ : " فقال : ألستم تعلمون أو ألستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى ! ، قال : فمن كنت مولاه فان عليا مولاه ". وعلق عليه بقوله ( وهذا إسناد جيد ، رجاله ثقات على شرط السنن ، وقد صحح الترمذي بـهذا السند حديثا في الريث ).
وهذا الحديث الصحيح دليل قاطع على أن معنى كلمة ( مولاه ) تعني الأولى به من نفسه وسيده المتصرف في شؤونه ، كما هو شأن ولاية النبي صلى الله عليه وآله للمؤمنين ، وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذا المعنى مرتين بقوله ( ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم ؟ ، ألست بأولى بكل مؤمن من نفسه ؟ فهذا ولي من أنا مولاه ).
ويدل عليه أيضا رواية أخرى صحيحة السند ، ذكرها الألباني في صحيح سنن الترمذي ج3ص521ح3712 : " عن عمران بن حصين ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا ، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، فمضى في السرية ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه ، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه بما صنع علي ، وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدءوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم ، فلما قدمت السرية سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام أحد الأربعة ، فقال : يا رسول الله ! ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا ؟! فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قام الثاني ، فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه . ثم قام الثالث ، فقال مثل مقالته فأعرض عنه . ثم قام الرابع ، فقال مثل ما قالوا . فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والغضب يعرف في وجهه ، فقال : ما تريدون من علي ؟! ما تريدون من علي ؟! ما تريدون من علي ؟! إن عليا مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي ". وعلق عليه الألباني بقوله ( صحيح ) وأحال إلى سلسلة الأحاديث الصحيحة ح2223 .
وهذا حديث صحيح وصريح في أن ولاية الإمام علي عليه السلام على المؤمنين إنما تعني الأولى بـهم من أنفسهم وليست بمعنى ناصرهم ومحبهم ، لأن الولاية التي قصدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث إنما تثبت للإمام علي عليه السلام بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم بصريح قوله ( وهو ولي كل مؤمن بعدي ) ، ولا يحتمل أن الولاية هنا تعني النصرة والمحبة لأن الولاية بـهذا المعنى ثابتة للإمام علي عليه السلام ولجميع المؤمنين في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد وفاته ، فيكون ذكره صلى الله عليه وآله وسلم للقيد ( بعدي ) لغوا وعبثا على هذا الفرض ، والعياذ بالله .
ويدل عليه أيضا أنه لو كانت الولاية في هذا الحديث تعني النصرة والمحبة لما كان هناك وجه صحيح ومعنى مقبول لتعجب أبي الطفيل وعدم تسليمه للحديث عندما سمع الإمام علي عليه السلام في الرحبة ينشد الناس أيـهم سمع الرسول الله عليه وآله وسلم يقول ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ، كما ذكر في سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني المجلد الرابع ص331 :
" عن أبي الطفيل قال : جمع علي رضي الله تعالى عنه الناس في الرحبة ، ثم قال لهم : أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لـمّا قام ، فقام ثلاثون من الناس . ( وفي رواية : فقام ناس كثير ) فشهدوا حين أخذ–الرسول صلى الله عليه وآله وسلم- بيده فقال للناس : أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : نعم يا رسول الله . قال : من كنت مولاه ، فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه . قال : فخرجت وكأن في نفسي شيئا ، فلقيت زيد بن أرقم ، فقلت له : إني سمعت عليا –رضي الله تعالى عنه- يقول كذا وكذا !! ، قال : فما تنكر ، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له ". وعلق عليه الألباني بقوله ( قلت : إسناده صحيح على شرط البخاري ) .
وعلى هذا لو كان معنى الولاية في ( فعلي مولاه ) هو المحبة والنصرة كما يزعمون ، لما شك أبو الطفيل ولما اختلجه الريب من ثبوتـها للإمام علي عليه السلام في حين أنـها معلومة الثبوت لجميع المؤمنين بقوله تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}(التوبة/71) ، ثم ما معنى إنشاد الصحابة بأن يشهدوا على ثبوتـها له عليه السلام وهي ثابت لهم بأجمعهم من قبل ؟!
وأوضح من هذا كله ، هو فهم الصحابة لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خُم ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) ، إذ جاء بسند صحيح أن أبا أيوب الأنصاري وبعض الأنصار من الصحابة شهدوا أمام أمير المؤمنين عليه السلام بـأنـهم موالي وعبيد مملوكون له كما كانوا كذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فسألهم الإمام علي عليه السلام عن سبب كونـهم موالي له مع أنـهم من العرب ، والحال أن المولى يكون حبشيا أسودا أو أعجميا وليس بعربي ، فقالوا إنـهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خُم ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) .
وهذا نص الحديث كما في فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج2ص707ح967 : " عن رياح الحارث قال : جاء رهط إلى علي بالرحبة ، فقالوا : السلام عليك يا مولانا . فقال : كيف أكون مولاكم ، وأنتم قوم عرب ؟ ، قالوا : سـمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فهذا مولاه . قال رياح : فلما مضوا اتبعتهم فسألت من هؤلاء ؟ قالوا : نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري ".
ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الرابع ص340 وعلق عليه ( قلت : وهذا إسناد جيد رجاله ثقات ) ، وكذا علق عليه محقق كتاب فضائل الصحابة وصي الله بن محمد عباس بقوله ( إسناده صحيح ).
فيتضح أن الشيعة عندما فهموا قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) بأن الإمام علي عليه السلام أصبح أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، كان هو المعنى الصحيح والمستفاد من الروايات الصحيحة عند أهل السنة ، وهو بعينه الذي فهمه الصحابة من هذا الحديث الشريف ، والفهم والعلم شيء والتطبيق والإيمان شيء آخر .
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق